طباعة هذه الصفحة
- 2454 زيارة

حرية تناول ما تشتهيه النفس من مطعومات

قيم الموضوع
(0 أصوات)

حرية تناول ما تشتهيه النفس من مطعومات طالما كانت حلالاً مباحة لا ضرر فيها على صحة من يتناولها أو صحة وسلامة الآخرين.

وضع الإسلام لنا قواعد عظيمة في هذا الشأن  منها أن الأصل في المطعومات الإباحة والأصل في الأبضاع ( المناكح ) التحريم والمنع ‘ فللإنسان أن يأكل ما يشاء  فالطيبات من المطعومات هي الأصل وهي الأكثر ولهذا لم يأت نص بذكرها على سبيل التعداد والحصر ؛ قال تعالى : { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين } [ البقرة : 168]

  بل كان النص عند ذكر الخبائث من المطعومات لقلتها وندرتها ، ولم يحرم الإسلام شيئاً من هذه الخبائث إلا لوقوع الضرر على متناولها ، ولنأخذ الخمر مثالاً على ذلك  ؛ قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } الآيات من سورة المائدة

....

وقد أرسى الإسلام قاعدة لا ضرر ولا ضرار لحماية الناس من شرور الأشرار ولحماية الإنسان من شر نفسه قهي على العموم قاعدة أرساها الإسلام لحماية الكرامة الإنسانية ولمنع المساس بها ، ويبقى إعمال هذه القاعدة أصلا سواء كان المطعوم موجودا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كالخمر مثلا أو طرأ هذا المطعوم مؤخراً بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كالمخدرات ، فهنا يقف الإسلام عائقا أمام حرية الشخص في تناول هذه المهلكات التي تفتك بصحته  وتهدد أمنه وأمن الآخرين فحينما يقف الإسلام عائقا أمام هذه الحرية فلا يعتبر ذلك تعارضا مع كرامة الإنسان  بل هو في صفها تماما وهو من أجل الحفاظ عليها وعدم المساس بها

وإليك طائفة من الآثار تؤكد ما ذكرناه :

روى النسائي عن عثمان رضي الله عنه قال: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن كان قبلكم تعبد فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمر كأسا، أو تقتل هذا الغلام. قال: فاسقيني من هذه الخمر كأسا، فسقته كأسا. قال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه، وذكره أبو عمر في الاستيعاب. وروي أن الأعشى لما توجه إلى المدينة ليسلم فلقيه بعض المشركين في الطريق فقالوا له: أين تذهب؟ فأخبرهم بأنه يريد محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا تصل إليه، فإنه يأمرك بالصلاة، فقال: إن خدمة الرب

واجبة. فقالوا: إنه يأمرك بإعطاء المال إلى الفقراء. فقال: اصطناع المعروف واجب. فقيل له: إنه ينهى عن الزنى. فقال: هو فحش وقبيح في العقل، وقد صرت شيخا فلا أحتاج إليه. فقيل له: إنه ينهى عن شرب الخمر. فقال: أما هذا فإني لا أصبر عليه! فرجع، وقال: أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه، فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات. وكان قيس بن عاصم المنقري شرابا لها في الجاهلية ثم حرمها على نفسه، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أبويه، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه، وفيها يقول:

   رأيت الخمر صالحة وفيها        خصال تفسد الرجل الحليما

   فلا والله أشربها صحيحا        ولا أشفى بها أبدا سقيما

   ولا أعطي بها ثمنا حياتي        ولا أدعو لها أبدا نديما

   فإن الخمر تفضح شاربيها        وتجنيهم بها الأمر العظيما

 

مما ذكرنا من الآثار  نعلم أن منع الشخص من شرب الخمر أو ما شابهها من المهلكات هو كمن يجبره طبيب القلب على الامتناع عن بعض الأغذية المضرة بقلبه أو من يمنعه طبيب المسالك البولية التي تزيد من سرعة تكون حصوات الكلى عنده أو من يمنعه طبيب الجهاز الهضمي من بعض الأغذية التي تزيد من تكوَّن قرحة المعدة وتمنع التئامها ...وهكذا ، اليس في هذا تقييد لبعض الحريات ؟ بلى ، ولكن لمصلحة أخرى أعلى وأكبر  قد لا يراها المفتون بفهوم الحرية المطلقة في تلك اللحظات التي غطت الغشاوة على قلبه فأصبح لا يرى إلا الشهوة العاجلة متناسيا الآلام التي سيتجرعها  بعد انقضاء هذه الشهوة القصيرة في أجلها.

مما سبق يتبين لنا جلياً كيف تعامل الإسلام مع مفهوم الحرية المطلقة والحرية المقيدة بما يضمن الحفاظ على الكرامة الإنسانية وعدم المساس بها باعتبارها حقاً مقدساً لجميع بني الإنسان  لا يجوز للبعض التعدي عليه في مقابل استمتاعه بنوع من الحرية الشخصية المزعومة والتي ينحى فيها المنحى الفردي ناسياً أنه فرد يعيش ضمن منظومة إنسانية  يشاركه فيها الآخرون عدة حقوق  كحق الحياة والأمن والهواء النقي...إلخ