- 13289 زيارة

الصيام ومريض الربو وبعض أمراض الجهاز التنفسي

بقلم الدكتور عصام محمد عبده

مرض الربو من الأمراض التي تتحسن أثناء الصيام لأن الصيام يحسن من كفاءة الرئتين وسعتهما لأنه أثناء الصيام يقل نتاج البدن من الفضلات الغازية وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون والذي ينطرح عن طريق الرئتين، مما يخفف عنهما العبء ، ويؤدي إلى تخلصهما من عوامل الإثارة والتهيج، مما يجعل هذا الجهاز أكثر حيويةً ونشاطاً في أداء مهمته ولكن ربما يحتاج مريض الربو أثناء صيامه إلى استعمال ما يسمى " بخاخة الربو" التي تقوم بتوسيع الشعب الهوائية فهل يجوز استعمالها أثناء الصيام أم لا ؟.

الرئة
الصورة مأخوذة نقلاً عن مكتبة أكسفورد الطبية  www.oup.co.uk

الرئتان

وهل يمكن لمريض الربو أن يصوم؟

الإجابة عن هذا السؤال تنقسم إلى قسمين :-

 أولاً : إذا كانت نوبة الربو نوبة حادة فإن التعامل معها يكون كحالة طوارئ تستدعي تدخلاً بوسائل متعددة وتركيب محاليل مغذية وغير ذلك مما يستوجب معه الإفطار على أن يقضي المريض أياماً بدلاً عن الأيام التي أفطرها.

ثانياً : إذا لم تكن الحالة حادة وشديدة فهنا تتوجه الفتاوى حول بخاخ الربو  ولذا أنا أسوق بعض الفتاوى حول هذه المسألة منها : 

1-  أفتى مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مؤتمره السّابع المنعقد في الفترة الواقعة بين 7-12 من شهر ذي الحجّة عام 1412هـ بأنّ (دواء الرّبو الذي يستعمله المريض استنشاقاً يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائيّة لا إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً ولا شبيهاً بهما…, ولا يفطر به الصّائم).

2-  وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وكذلك فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمهما الله عن دواء بخاخ الربو فكانت الإجابة تدور حول ما يلي : [حكمه الإباحة إذا اضطررت إلى ذلك؛ لقول الله عز وجل:{ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، ولأنه لا يشبه الأكل والشرب فأشبه سحب الدم للتحليل، والإبر غير المغذية.

3-  وهذا نص جواب اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن الموضوع نفسه :

[ دواء الربو الذي يستعمله المريض استنشاقاً يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية لا إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شربا ولا شبيها بهما هو شبيه بما يقطر في الإحليل وما تداوى به المأمومة والجائفة والكحل والحقنة الشرجية ونحوها من كل ما يصل إلى الدماغ أو البدن من غير الفم أو الأنف، وهذه الأمور اختلف العلماء في تفطير الصائم باستعمالها، فمنهم من لم يفطر باستعمال شيء منها، ومنهم من يفطر باستعمال بعض دون بعض مع اتفاقهم جميعا على أنه لا يسمى استعمال شيء منها أكلاً ولا شرباً، لكن من فطَّر باستعمالها أو شيء منها جعله في حكمها بجامع أن كلاً من ذلك يصل إلى الجوف باختيار ولما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" فاستثنى الصائم من ذلك مخافة أن يصل الماء إلى حلقه أو معدته بالمبالغة في الاستنشاق فيفسد الصوم فدل على أن كل ما وصل إلى الجوف اختيارا يفطر الصائم. ومن لم يحكم بفساد الصوم بذلك كشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ومن وافقه لم ير قياس هذه الأمور على الأكل والشرب صحيحاً ، فإنه ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفَطِّر هو كل ما كان واصلاً إلى الدماغ أو البدن وما كان داخلاً من منفذ وواصلاً إلى الجوف.

 وحيث لم يقم دليل شرعي على جعلِ وصف من هذه الأوصاف مناطا للحكم بفطر الصائم يصح تعليق الحكم به شرعا، فالذي يظهر عدم الفطر باستعمال هذا الدواء استنشاقا لما تقدم من أنه ليس في حكم الأكل والشرب بوجه من الوجوه.]

ويلحق بهذا السؤال حكم استنشاق الطيب ؟ وهذه فتوى اللجنة الدائمة فيه:

‏هل روائح الطيب أو روائح المبيدات الحشرية تفطر الصائم في رمضان أوغيره ؟ فكانت الإجابة:

[الروائح مطلقاً عطرية وغيرعطرية لا تفسد الصوم في رمضان وغيره فرضاً أو نفلا ، لكنه لا يستنشق البخور والطيب المسحوق كمسحوق المسك ].والسبب في ذلك أنه كما قيل ينعقد أجساما.

ومن بعض أمراض الجهاز التنفسي المشتهرة :

الالتهابات الشعبية ( upper respiratory tract infections)

كثيرا ما يصاب الإنسان بنزلة برد  يتبعها التهاب في القصبة الهوائية، ثم التهاب في الشعب الهوائية، وهو ما يسمى بالنزلة الشعبية؛ أي نزلة في الشعب الهوائية.

وعادة ما يشكو المريض من سعال جاف ، أو يصاحبه كمية قليلة من البصاق، مع بعض الآلام المصاحبة لالتهاب القصبة الهوائية.

وإذا كانت الحالة بسيطة فإن المريض يستطيع أن يأخذ علاجه ما بين الإفطار والسحور، أما إذا احتاج الأمر إلى مضاد حيوي بانتظام ثلاث أو أربع مرات يومياً، فلا بد أن يمتنع عن الصيام خلال فترة العلاج وإلى أن  يشفى من هذه النزلة الحادة، وخاصة أن إهمال علاج مثل هذه النزلات قد يؤدي إلى بعض المضاعفات مثل الالتهاب الرئوي ، وقد يؤدي إلى حساسية مزمنة في الصدر عند بعض المرضى.

الالتهابات الرئوية  pneumonia :

يُقصد بالالتهاب الرئوي التهاب نسيج الرئة غير الدرني.

وهذا الالتهاب يحتاج لراحة كاملة في الفراش، مع الانتظام في العلاج بكل دقة وعلى ذلك فلا بد للمريض أن يأخذ علاجه بكل انتظام حتى يتم شفاؤه بإذن الله، ثم يصوم.

أمراض الغشاء البلوري : pleurisy

هناك نوعان أساسيان من أمراض الغشاء البلوري وهما الالتهاب الحاد الجاف dry) pleurisy   (والانسكاب البلوري ( pleural effusion )، ويقصد به وجود سائل في الغشاء.

أما الالتهاب الجاف فشكوى المريض تتركز في الآلام المبرحة المصاحبة للتنفس وعليه فهو يحتاج إلى المسكنات والتي قد تكون عن طريق الحقن العضلي أو الوريدي وكلاهما لا يسبب الإفطار أما إذا اضطر المريض إلى أخذ المضادات الحيوية فإن كانت عن طريق الحقن فلا مشكلة في الصيام أيضاً ، أما إذا كانت عن طريق الفم فإن أمكن استخدام المضادات التي يبقى مفعولها لمدد تصل إلى 12 ساعة فيمكن للمريض الصيام على أن تؤخذ الجرعتان عند الإفطار وعند السحور ، اما إذا احتيج لفترات علاج أقصر ككل 6 ساعات مثلاً فهنا على المريض أن يفطر ثم يقضي أياما بدلاً عن التي أفطرها بعد أن يتعافى بإذن الله .

  أما مريض الانسكاب البلوري؛ فإن انتظامه في علاجه بكل دقة من العوامل الأساسية في سرعة   
  شفائه،خصوصا أن كثيراً من حالات الانسكاب البلوري تكون السوائل فيها صديدية أو يكون الالتهاب ناتجاً عن
  الدرن الرئوي أو عن أورام ولذا فعليه أن يفطر على أن  يصوم بعد الشفاء
بإذن الله.

                            

         انسكاب بلوري بالناحية اليسرى                                 انسكاب بلوري متقدم بالناحية اليمنى

               الصورة مأخوذة عن www.meddean.luc.edu                                    الصورة مأخوذة عن www.meddean.luc.edu

 

الانسداد الشعبي الهوائي المزمن : ( الإمفيزيما)

إذا تكررت النزلات شعبية وصارت مزمنة فإن  يعض التغيرات الباثولوجية تحدث مما يجعل المريض يعاني من الانسداد الشعبي الهوائي المزمن أو الإمفيزيما، وهي مرض انتفاخ الرئة، وما يصاحب ذلك من ضيق بالشعب الهوائية.

ففي الحالات الشديدة ، والتي يحتاج فيها المريض إلى مضادات حيوية، أو موسعات للشعب الهوائية؛ فعلى المريض أن ينتظم في علاجه، فيفطر حتى يتماثل للشفاء ثم يقضي أياماً بدلاً عن التي أفطرها.

أماعند استقرار حالة المريض وعدم حاجته إلى علاج على فترات متقاربة فإن المريض يستطيع أن يصوم.

خراج الرئة : lung abcess

خراج الرئة حالة حادة  تتطلب علاجا مكثفاً ومنتظما ولصيقاً بالمضادات الحيوية المناسبة مع راحة كاملة وكل ذلك يستوجب الإفطار .

الصورة مأخوذة عن مكتبة موقع myweb.lsbu.ac.uk

       صورة أشعة لخراج بالرئة اليسرى ويرى مستوى السائل في الخراج بوضوح

ويستمر المريض في علاجه حتى يتم الشفاء الكامل والتام، وفي خلال هذه الفترة فإن المريض لا بد أن يتناول طعامه مع كميات كبيرة من السوائل.

 

تمدد الشعب الهوائية broncho-ictasia:

وهو الاتساع غير الطبيعي في الشعب الهوائية، وقد تكون حالة المريض مستقرة،وحينئذ من الممكن للمريض أن يصوم .

أما إذا زادت كميات البصاق؛ وصاحب ذلك ضيق بالشعب الهوائية، فإن الحالة تتطلب علاجاً بالمضادات الحيوية مع تفريغ للإفرازات؛ للتخلص من  البصاق ، وغالباً ما تكون الحالة الصحية العامة للمريض في مثل هذه الحالات سيئة ويحتاج المريض معها للانتظام في العلاج مع الراحة وحينئذ ينصح بعدم الاستمرار في الصوم حتى يتعافى ، فإذا استرد المريض عافيته فعليه الصيام فيما تبقى من أيام الصيام على أن يقضي اياماً بدلاً عن التي أفطرها.

Top