- 3851 زيارة

حرية ارتداء ما ترتاح إليه النفس من أزياء وملابس

قيم الموضوع
(1 تصويت)
حرية ارتداء ما ترتاح إليه النفس من أزياء وملابس
إن ارتداء ما تميل إليه النفس من أزياء وملابس أمر تقره الفطرة السوية للإنسان ؛ فكل بني قوم يعتزون بأزيائهم وملابسهم ويعدُّون ذلك معبرا قويا عن هويتهم  وشخصيتهم وانتمائهم لأرضهم ووطنهم 

بل إن محاولة إجبار الإنسان على التخلي عما ألِفهُ من أزياء وملابس يعتبر نوعا من محاولات هدم كرامة ذلك الإنسان ، وقد أقر الإسلام حق الإنسان  في ارتداء  ما ترتاح إليه نفسه من أزياء وملابس ضمن ما تقره الشرائع السماوية والأعراف الدولية والمحلية لكل بني قوم ، فليرتدِ الإنسان ما شاء طالما كانت العورات في ستر ومفاتن الجسد التي تثير الشهوات غير بادية ، فالحرية هنا قد َتَدخَّلَ الإسلام في ترشيدها  وأنار  للإنسان طريقه في هذا الشأن ودلَّه على ما ينفعه وحثه عليه وحذره مما يضره ويضر غيره ونهاه عنه ...لماذا ؟ ..لأن الإنسان لا يعيش وحده على هذه الكرة الأرضية بل يشاركه فيها  آخرون ، فليقف المرء عارياً كما يشاء إذا كان وحده أو في الخلاء أو حال الاغتسال أو يستره ماء البحر او النهر أو بين جدران غرفته التي يستتر بها أو أمام زوجته فهو هنا حر في هذا الأمر لا يمنعه من ذلك إلا الحياء الشخصي من كونه متجردا ، ولكن لا يجوز له تحت مسمى الحرية الشخصية أن يتجرد من ثيابه ويتعرى أمام الآخرين فيخدش بذلك حياءهم ويؤذيهم ، فهنا تتجلى معاني الحفاظ على الكرامة الإنسانية في الحفاظ على حق الآخرين ولو على حساب رغبة فردية أو نزعة أنانية من قلة في  المجتمع  يعتقدون أن الحرية تعني العربدة والانطلاق في الأرض على أي صورة كانت ، مثل هذا الذي يشاهد فيما يسمى  بنوادي العراة ، فالإسلام يرفض هذا النوع من الحرية حتى لو تراضى القوم جميعهم على تواجدهم عراة جميعا في تلك النوادي مدعين أنهم جميعا راضون بهذا وأنه لا حياء يخدش في مثل تلك النوادي ..هنا يتدخل الإسلام في الحفاظ على كرامة الإنسان من نفسه الأمارة بالسوء فحتى وإن تراضى القوم على التعري فإن الإسلام يمنعه وليس هذا حجرا على الحريات إنما هو عين الحفاظ على الحريات من ذل استعباد الشيطان للنفوس وأسرها بأغلال الشهوات ، فكم من نفوس كريمة لوثت ودنست في مثل تلك الأوكار تحت مسمى الحرية الشخصية فانحطت إلى رتبة الحيوانات وصفات البهائم  بما فعلوه من تجردهم مما كان يسترهم ومشابهتم الحيوانات ، قال تعالى ممتنا على عباده بنعمة ستر العورات :

 { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} [ الأعراف : 26 ].

فلأن العقل البشري قاصر عن الإدراك الكامل  لحقيقة ما ينفعه وما يضره  كانت المعونة الإلهية للبشر بإرسال الرسل لدلالتهم على الخير وتحذيرهم من كل شر ، فالتراضي والتواطؤ على التعري – وإن كان يبدو في ظاهره نوعاً من الحرية الشخصية – إلا أنه ضرر محض بالبشر ولأجل ذلك حرمته الشرائع واستقذرته الفطر والطباع والأعراف السليمة ، يقول الله تعالى : {  وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [ البقرة : 216] وهذه هي عظمة الإسلام في الحفاظ الحقيقي على كرامة الإنسان .

وهذه الإجراءات التي اتخذها الإسلام في مسألة ستر العورات إنما كانت لمنع ضرر عظيم وهو ضرر شيوع الفاحشة ، فكم ممن وقع بصره على فتاة أبرزت مفاتنها فكانت النتيجة هي الوقوع في الفاحشة واغتصاب تلك الفتاة ، ولهذا كان التشديد القرآني في هذه المسألة في قوله تعالى : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخره والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [ النور : 19].

وقد أدركت تلك المرأة التي كانت تصرع أمر ستر العورات وراعها أن تنكشف عورتها حال يأتيها الصرع ، مما يدل على  عظيم شأن تلك المسألة عند كل من له مسكة من عقل أو دين أو مروءة ، وإن كنت تريد القصة بتمامها فإليك هي :

روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا

 

وقد عرفت العرب أن من شيم الكرام غض البصر وعدم تتبع عورات النساء ؛ قال عنترة :

   وأغض طرفي ما بدت جارتي            حتى يواري جارتي مأواها  

 

وقال مسكين الدارمي :

   أعمى إذا ما جارتي خرجت    حتى يواري جارتي الجدر

 

وجاء أيضاً :

  أعمى إذا ما جارتي خرجت      حتى يواري جارتي الستر

 

وقفة حول مسألة الدفاع عن الحريات:

 يعجب المرء ممن يدَّعون أنهم أهل الدفاع عن الكرامة والحريات ثم نراهم يجبرون المرأة المسلمة على أن تتجرد من  حجابها الذي هو حق لها بعدة اعتبارات :

 الاعتبار الأول : أنه جزء من أوامر دينها حيث أمرت بذلك في قوله تعالى في الآية: 59 من سورة الأحزاب{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}

ومن حق أتباع كل دين أن ينفذوا تعاليم دينهم وتوجيهاته، وهذا أبسط معاني الكرامة الإنسانية.

 

الاعتبار الثاني: أنه جزء من عادات وتقاليد مجتمعها العربي الشرقي المحافظ فهو زي المرأة العربية على مدى السنين، ومن أبسط مفاهيم الكرامة الإنسانية أن يعطى كل إنسان الحق في ارتداء ما يرتديه قومه وأهله وأبناء وطنه من أزياء.

 

الاعتبار الثالث: هو اعتبار الحرية الشخصية التي ينادي بها من يدَّعون الدفاع عن الحريات، فلو كانوا صادقين في دعواهم لتركوا المرأة المسلمة  ترتدي حجابها كما يتركون الأخرى تتجرد منه ومن غيره، فهذا هو مفهوم الإنصاف لو كان عند القوم مثقال ذرة من إنصاف ، وهذا هو الميزان لو كان عند القوم ميزان عادل للحريات التي رفعوا شعارها حينما علت أصواتهم مدوية : للمرأة أن تلبسس ما تشاء  وتخلع ما تشاء ..ولكن اين هذا من  الواقع الذي نراه الآن حيث يسنون القوانين التي تضيق على المرأة الممسلمة وتسلبها حقها  وحريتها في ارتداء حجابها  ؟؟

 

سادساً : ويقاس على ذلك باقي الحريات

حيث يتفق الإسلام مع كل ما تقره الشرائع السماوية  والمواثيق  الدولية والأعراف الأهلية والفطر السوية  في حق الإنسان في الحرية بسائر مناحيها.

ولكنه يختلف مع من يعتقد أن الحرية مطلقة بحيث تهدد تلك الحرية المطلقة أمن أوسلامة أوصحة أومال الآخرين أو تخدش حياءهم أو تعرضهم للأخطار ، حينئذ يُغلِّب الإسلام مصلحة الكل على الجزء ومصلحة المجموع على مصلحة الفرد أو حريته والتي في الغالب إذا تعارضت مع القيم السابق ذكرها  تكون على غير مصلحة الفرد وإن حصل له نوع توهم أن فيها مصلحة ، فهو في كثير من الأحيان  لايدرك أين تكون المصلحة الحقيقية ، فما هي مصلحة الفرد في قيادته للسيارة مخمورا فيودي بحياته وحياة الآخرين ؟ ، ودعونا نتساءل ما هي المصلحة من ممارسة الجنس غير المشروع مع الخليلات والعشيقات لينتج للبشرية أوبئة الإيدز والسيلان والقرحة الرخوة وغير ذلك من البلايا أو لينتج ذرية لا تجد لها أبا أو أما أو كليهما في أغلب الأحيان ؟

وما هي مصلحة الفرد عند تعاطيه المخدرات فيغيب عن عالم الحقيقة والواقع ليغرق في ظلمات وهلوسات وضلالات  عالم الخيال واللاوعي فينحرف عن المنظومة الإنسانية ويتدنى في أوصاف لينتقل من مواصفات السلالة الإنسانيه إلى مواصفات  السلالة الحيوانية مغيبا عن عقله معطلا عن استخدام إرادته وتوجيهها نحو الاتجاه الصحيح عاجزا عن أن ينفع نفسه أو مجتمعه ، معول هدم لا عنصر بناء ، مريضا معتلا في بدنه وروحه ، ووجوده!!..

Top